أعدوا طريق الرب
عظة للقديس يوحنا الذهبي الفم
لنتأمل معاً كيف أن كلاً من النبي أشعياء والسابق يوحنا المعمدان يوصلان لنا نفس الرسالة، رغم أنهما لا يستخدمان نفس التعبيرات فالنبي يسبق فينبئنا أنه لابد سيأتي المسيح فيقول: " أعدوا طريق الرب إجلوا سبيله مستقيماً " أما السابق يوحنا المعمدان فعندما أتى بدأ رسالته قائلاً: " إصنعوا أثماراً تليق بالتوبة " ، وهذه الدعوة لها نفس المعنى تماماً مثل : " أعدوا طريق الرب " . فكل ما قيل بالنبي أو بالمعمدان فهو يعني نفس الأمر. إن السابق أتى لكي يعد الطريق لا أن يقدم للناس عطية المغفرة، بل بالحري ليعد نفوس أولئك الذين سينالون هبة الهبات.
ولكن القديس لوقا البشير يضيف شيئاً أكثر فهو لم يكتف بأن يعطي بعض بل كل النبوة :" كل واد يمتلئ وكل جبل وأكمة ينخفض ، وتصير المعوجات مستقيمة والشعاب طرق سهلة، ويبصر كل بشر خلاص الله " ( لوقا 3: 5،6 - أش 40: 4، 5 ).
ثم تأمل كيف أن النبي منذ أمد طويل يسبق فينبئ بكل شيء: تجمع الناس معاً تغير الأمور إلي الأفضل بساطة الأمور المستعلنه والداعي لكل هذه المجريات حتى وإن كان يتكلم بالرموز، نعم لأنه كان ينبئ بأمور آتية، لأنه عندما كان يقول:" كل واد يمتلئ وكل جبل وأكمة ينخفض وتصير المعوجات سهله "، كان يعني بذلك أن المتواضع سيرفع، وأن المتكبر سيخفض، وأن خشونة الناموس ستبدل بعذوبة الإنجيل ليس بعد " عرق ووجع " بل نعمه وغفران للخطيئة هذا هو إفتتاح طريق الخلاص الرحب ثم إنه يبين الغاية من كل هذا قائلاً " حتى يرى كل بشر خلاص الله "، ليس كما كان سابقاً حيث كان اليهود والمتهودين وحدهم هم المختصون بالرؤية بل " كل بشر " أي سائر الجنس البشري وأما " الطرق الوعرة والمعوجة " فهو يعني بها نوع الحياة الفاسدة التي كانت: عشارون ( ظلمة ) زناة، لصوص، مشتغلون بالسحر: الذين كانوا قبلاً معوجين في طرقهم، ومن ثم دخلوا الطريق المستقيم، كما قال الرب نفسه: " الحق أقول لكم: إن العشارين والزانيات سيسبقونكم إلي ملكوت السموات " ( متى 21 : 31 ) ذلك لأن هؤلاء كانوا قد آمنوا به.
ويتكلم النبي عن نفس شيء ولكن بتعبيرات أخرى: " الذئب والحمل يرعيان معاً " ( أش 65 : 25 ) فكما تكلم قبل هذا عن الجبال والأودية معلناً بذلك أن الطبائع المختلفة ستتألف إلي واحد عن طريق معرفة الحكمة أي معرفة الخلاص، كذلك هنا بالمثل: فهو يعني بالطبائع المتباينة التي للحيوانات العجم، يعني تباين طبائع الناس ، وينبئ كيف أنها ستأتي معاً إلي حياة واحدة متآلفة مستقيمة وهنا أيضاً كما فعل سابقاً يعطي العلة لهذا قائلاً: " إن القائم ليحكم الأمم، إياه تترجى الشعوب " ( أش 10: 10 ، متى 12: 21 )، الذي يقصد بهذا به نفس المعنى عندما يقول: " وكل بشر سيرى خلاص الله "، مبيناً بهذا أن قوة وعرفة الإنجيل ينبغي أن ينادي بهما إلي أقاصي الأرض وهذه ستؤول إلي تغيير جنس البشر من الطرق البهيمية وشراسة النفس إلي وداعة ولطف الخلق.
منقول للامانة