نبذة عن
سفر أعمال الرسل
الكاتب
ينسب التقليد المتواتر كتابة سفر الأعمال إلى لوقا الطبيب اليوناني ، الذي كان رفيق للرسول بولس في رحلتيه الثانية والثالثة ، كما يتضح ذلك من استخدامه لضمير جمع المتكلم ، الذي يظهر لأول مرة في ( أع 16 : 10 - 17 ) ، ويعود للظهور مرة أخرى في ( 20 : 5 - 21 : 17 ، ثم في ( 27 : 1 - 28 : 16 ) وقد انضم الكاتب للرسول بولس في ترواس ورافقه إلى فيلبي - بل يرى البعض أنه الرجل المقدوني الذي ظهر لبولس في رؤيا قائلا له : اعبر إلى مكدونية وأعنا ( 16 : 9 ) ، وقد بقى لوقا في فيلبي إلى حين عودة الرسول بولس إليها في رحلته الثالثة ، حيث رافقه بعد ذلك في عودته إلى أورشليم ثم في ذهابه إلى روما ، لكنه لم يقاسم بولس سجنه سواء في أورشليم أو في قيصيرية أو في روما ، ولكنه ظل قريب منه ، وقد أشار الرسول بولس الى لوقا الطبيب الحبيب في رسائله التي كتبها في السجن في روما ( كو 4 : 14 ، فيلمون 24 ) ، ثم ذكره بعد ذلك مرة أخرى في آخر رسائله ( 2 تي 4 : 11 ) .
ويقتبس إيريناوس - أحد آباء الكنيسة ( حوالي 180 م ) - من سفر الأعمال وينسبه إلى لوقا ، قائلا عنه تلميذ الرسل ورفيقهم . ويحتمل أن لوقا كان شقيقا لتيطس - أحد رفقاء بولس ايضا - الذي لا يذكر مطلقا بالاسم في سفر الاعمال ، ويقول عنه الرسول بولس : الأخ الذي مدحه في الانجيل في جميع الكنائس ( 2 كو 8 : 18 ) . وقد كتبت هذه الرسالة بينما كان لوقا ما زال في فيلبي ، وتيطس في مقدونية .
والأدلة الداخلية تثبت أن الكاتب كان يونانيا رفيع الثقافة ، تنقل بين بلاد كثيرة ، وكان حاد الذكاء ، دقيق الملاحظة . ويقول هوبرت ( Hobart ) إن لغة لوقا تثبت أنه كان طبيبا ، لاستخدامه عبارات طبية فنية ، وكان أدق وصفا للأمراض من سائر الكتَّاب المسيحيين . وكل الأدلة الداخلية تؤيد الرأي التقليدي بأن كاتب سفر الأعمال هو لوقا الطبيب.
تاريخ كتابته
ينتهي سفر الأعمال بقضاء الرسول بولس سنتين في سجنه . الأول في روما ، وكان ذلك حوالي 61 / 62 ميلادية ، ولا يمكن أن يكون سفر الأعمال قد تمت كتابته قبل الأحداث التي سجلها ، وكانت مدرسة توبنجن ( Tubingen ) في القرن التاسع عشر ، ترجع به إلى منتصف القرن الثاني ، اعتقاداً منهم أنه كتبه دفاعاً عن المسيحية وتبريراً للاختلافات التي حدثت في الكنيسة في الحقبة السابقة ، ويرجع به آخرون إلى أواخر القرن الأول زاعمين أن لوقا استعان في كتابته بكتابات يوسيفوس المؤرخ اليهودي ، التي لم تكتب قبل 90 م ، ولكن لوقا كان متاحاً له معرفة المعلومات الواردة في كتابات يوسيفوس ، من مصادرها الأولى ، دون الاستعانة بهذه الكتابات ، والدقة البالغة في إشارته الى الأماكن والأشخاص والأحداث - التي أثبتتها الأبحاث الأركيولوجية والمصادر التاريخية - تدل على أن لوقا كان معاصراً للأحداث التي سجلها ، فقد كان شاهد عيان للكثير منها ، ورغم اهتمامه الشديد بتاريخ الرسول بولس ، فإن عدم إشارته إلى رسائل الرسول بولس ، لا يمكن تفسيره إلا بأنه كتب سفر الاعمال قبل جمع وتداول هذه الرسائل ، ولهذا فالأرجح أنه كتبه قبل عام 65 م .
أهمية سفر أعمال الرسل
إن سفر أعمال الرسل وثيقة تاريخية بالغة الأهمية ، سواء لتاريخ الكنيسة أو تاريخ العالم في ذلك العصر ، فسفر الأعمال يغطي الفجوة بين الأناجيل والرسائل ، وبدونه لم يكن ثمة سبيل لتفسير الانتقال من خدمة يسوع الى تعاليم الكنيسة وكرازتها . وكل معرفة صحيحة عن الرسل ورفقائهم ، والامتداد الجغرافي لخدمتهم ، إنما نستمدها أساسا من سفر الأعمال ، وهو لا يقدم لنا القصة كاملة ، ولكنه يروى لنا بعض الأحداث والحقائق الأساسية والمبادئ العامة ، التي تساعدنا على فهم تاريخ الكنيسة الأولى ونشأتها .
والإشارات إلى الأحداث المعاصرة تساعد العلماء على تحديد بعض التواريخ المرتبطة بنشأة الكنيسة وتطورها ، فموت هيرودس أغريباس الأول ( أع 12 : 21 - 23 ) ، وولاية غاليون على أخائية ( أع 18 : 12 - 17 ) ، وولاية فيلكس ( 23 : 24 ) ، ثم فستوس ( 24 : 27 ) على اليهودية ، والألقاب الفنية للحكام في الولايات الرومانية المختلفة ، مثل الولاة والجلادين في فيلبي ( أع 16 : 35 ) و حكام المدينة في تسالونيكي ( 17 : 6 ) ، و وجوه أسيا في أفسس ( 19 : 31 ) ، واللغات المختلفة في الأجزاء المختلفة من الامبراطورية ( 14 : 11 ، 21 : 37 و 40 ) ، والتفاصيل الجغرافية الدقيقة للرحلة الأخيرة إلى روما ( أع 27 ، 28 ) كل هذه تزود المؤرخين الآن بأصدق المعلومات ، وتثبت أن الكاتب كان شاهد عيان أمينا ودقيقا .
أما من الناحيتين التعليمية والروحية ، فلسفر الأعمال قيمة لا تقدر ، فنجد في الأحاديث التي يحتفظ لنا بها سفر الأعمال ، تعليم الكنيسة الأولى ، وأهمية عمل الروح القدس ، والعمل الكرازي الذي يشكل نموذجا سارت على مثاله الأجيال التالية .