سلام ونعمة://
[size=25][size=25]
مدخل إلى سفر طوبيا
محور السفر
سفر طوبيا
( و الذى يقع عقب سفر نحميا مباشرة ) هو عظة عاطفية جميلة و مؤثرة ، كما تحسب بحق ، تحفة أدبية و روحية رائعة ، و هى تصور التقوى التى تحلّى بها اليهود ، إبان فترات السبى بعيدا ً عن أورشليم الأم موطن النبوات و الأنبياء ، و محطّ أنظار الشعوب ، كما يمثلّ السفر سمة خاصة فى مرحلة التطور لليهود بعد السبى .
أما أحداث السفر، فتدور فى بيئة شديدة الشبه ، ببيئة الآباء الأول إبراهيم و إسحق و يعقوب ، و تتناول عائلتين يهوديتين تعيشان فى السبى ، الأولى هى عائلة طوبيا ، حيث تسكن فى نينوى و الثانية عائلة رعوئيل فى أحمتا
( العراق و إيران حاليا ً ) .
و قد تعرضت العائلتان للتجارب ، فطوبيا التقى ، يفقد غناه ثم يفقد بصره ، و عندما يشعر بقرب نياحته ، يستدعى إليه أبنه المسمّى طوبيا أيضا ً ، حيث يلقنه قائمة من الوصايا متخذا ً بذلك دور الإشبين
( بالنسبة للمعمّد حاليا ً فى العهد الجديد ) ثم يخبره بأن له وديعة مالية كبيرة ، لدى شخص يعيش فى منطقة راجيس ، و يسلمه الصكّ الخاص بها لإستردادها ، و أما العائلة الثانية فقد جرّبت أبنتها سارة بتجربة قاسية و عجيبة ، إذ تزوجت سبع مرات ، غير أن شيطانا ً يدعى أزموداوس كان يقتل الزوج فى الليلة الأولى للزواج .
و يظهر على ساحة السفر ، الملاك روفائيل ، حيث يقوم بدور ريادى فى الأحداث ، فهو يظهر فى شكل إنسان مستعدّ للسفر ، و يرافق طوبيا الأبن فى رحلته إلى بلاد مديان ، و فى الطريق يساعده فى إصطياد سمكة كبيرة ، استخدم طوبيا قلبها و كبدها فى طرد الشيطان أزموداوس ، و يتزوج بسارة ، و فى أثناء العرس يمضى الملاك روفائيل ليسترد الوديعة المالية ثم يعود الجميع بعد ذلك ( طوبيا و سارة و الملاك ) إلى طوبيا الشيخ حيث يستخدم الأبن مرارة السمكة – كنصيحة الملاك – فى دهن عينى أبيه فيشفى من عماه ، و عندئذ ينتحى الملاك بكل من الأبن و الأب ليعلن لهما عن حقيقته ثم يوصيهما بتدوين ما جرى لهما فى كتاب ، و التحدث بعجائب الله ، و يعيش الجميع بعد ذلك فى سعادة شاكرين الله ، منتظرين خلاصه و عودة إسرائيل من السبى .
كاتب السفر
يتضح من
( طو 12 : 6 ، 7 ، 20 ) أن كاتبا السفر ، هما طوبيا الشيخ و طوبيا الأبن معا ً ، حيث يوصيهما الملاك قبل اختفاءه عنهما قائلا ً
(
بارِكا وعَظِّما آسمَه[size=21]. [/size]أَخبِرا جَميعَ النَّاسِ بِأَعْمالِ اللهِ له [size=21]...[/size]خَيرٌ أَن يُكتَمَ سِرُّ المَلِك، أَمَّا أعْمالُ الله فلا بُدَّ مِن كَشْفِها [size=21]... [/size]فدَوِّنا جَميعَ ما جَرى لَكُما[size=21]..[/size] ) .
و قد يكون طوبيا الأبن هو الذى أخذ على عاتقه هذه المهمة المقدسة ، لاسيّما و أن نصيبه من المشاركة فى أحداث السفر ، أكبر من نصيب والده الشيخ ، و مع ذلك فإنه من الصعب تحديد إلى آى منهما تنتمى تسمية السفر ، و من هنا يحتمل أن يكون منسوبا ً لكليهما معا
.
و يكشف الكاتب فى السفر عن درايته الواسعة للأسفار المقدسة بمجموعاتها الثلاث ( الناموس – الأنبياء – الكتابات ) [size=21]1[/size]كما تظهر للقارىء محبة كاتب السفر الشديدة لوصايا الناموس ( اللاويين و العدد ) بل و حفظه لها ، فهو إذا يهودى تقى و تقليدى ، و قد كان سفر عاموس هو آخر الأسفار التى اقتبس منها حيث قال في ( طو 2 : 6 )
(فذَكَرتُ الكَلامَ الَّذي تَكلَّمَ بِه عاموسُ النَّبِيُّ على بَيتَ إِيلَ حَيثُ قال[size=21]: [/size]
ستُحوَّلُ أَعْيادُكم نَوحاً وجَميعُ أناشيدِكم رِثاءً
)
وهذا ما قاله عاموس النبي
( عا 8 : 10 ) (وَأُحَوِّلُ أَعْيَادَكُمْ نَوْحاً وَجَمِيعَ أَغَانِيكُمْ مَرَاثِيَ وَأُصْعِدُ عَلَى كُلِّ الأَحْقَاءِ مِسْحاً وَعَلَى كُلِّ رَأْسٍ قَرْعَةً وَأَجْعَلُهَا كَمَنَاحَةِ الْوَحِيدِ وَآخِرَهَا يَوْماً مُرّاً[size=21]![/size] ).
كما يعكس الكاتب فى السفر ، محبته للحكمة و الأدب ، و لا يضيره أن يقتبس من التاريخ و البيئة ، إذ أنه من المعروف أن الله ترك للكاتب ، صياغة الوحى ، حسبما تكون ثقافته و بيئته و مستواه ( فى مختلف المجالات ) و مما لاشك فيه أن الكاتب قصّاص طريف يحب التصوير و التفاصيل ليثرى خيال القارىء و ينقله إلى الواقع ، يحيا فيه معه [size=21]2[/size]
زمان و مكان الكتابة
كتب السفر فى القرن السابع قبل الميلاد ، و بالتحديد بعد خراب نينوى سنة
612 ق.م. بسنوات قليلة ، فقد جرت أحداث السفر ، و ما تزال نينوى قائمة ثم عاصر طوبيا خرابها ، و هو الذى دون السفر كوصية الملاك روفائيل له ، بعد خراب نينوى بقليل ، و قبل نياحته .
و قد حاول بعض النقاد إثبات أن الصفر كًتب خلال القرن الثانى قبل الميلاد، متعللين فى ذلك بوجود بعض الإختلاف فى أسماء المدن و الحكام ، مما يعنى أن الكاتب كان فى تاريخ يبعد كثيرا ً عن الزمن الذى جرت فيه أحداث السفر ، أو أن السفر نفسه مختلق حيث كُتب ككتاب تعليمى فقط
( على حد زعمهم ) .
أما من جهة الأختلاف فى الأسماء و المواضع فقد كان لبعض البلاد أكثر من اسم لاسيما فى اللغات الأخرى ، و كان المُلك كذلك ينسب لأكثر من شخص فى وقت واحد ، كما اكتسب الكثير من الملوك لقباً واحدا ً
– ربما لقب جدهم الأكبر – على التوالى و لسنين عديدة ، هذا و قد تعرضت بلاد أشور فى زمن السفر إلى تطورات سياسية سريعة ، من ثورات إلى قتل الملوك لبعضهم البعض .
و يستند بعض أولئك النقاد أيضا ً ، على وجود إشارة فى السفر إلى إستخدام عملة الدراخمة
( الدرهم ) و هى عملة يونانية ترجع إلى زمن الإسكندر الأكبر ( بداية من القرن الرابع قبل الميلاد ) و لكن يجب الإنتباه هنا إلى أن الدرهم هو عملة فارسية فى الأصل و قد ورد ذكره فى سفرى الملوك و سفر عزرا و سفر نحميا ، حيث أعطى نحميا ( الترشاثا ) ألفا من الدرهم مساهمة منه فى العمل ( نح 7 : 70 وَالْبَعْضُ مِنْ رُؤُوسِ الآبَاءِ أَعْطُوا لِلْعَمَلِ[size=21]. [/size]التَّرْشَاثَا أَعْطَى لِلْخَزِينَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنَ الذَّهَبِ وَخَمْسِينَ مِنْضَحَةً وَخَمْسَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ قَمِيصاً لِلْكَهَنَةِ[size=21].[/size]) ذلك على الرغم من أن السفر يرجع إلى أوائل القرن الرابع قبل الميلاد ، أى قبل ظهور الإسكندر المقدونى . ( راجع التعليق على الإصحاح الخامس ) .
أما العالم ريتشاردسون ، فقد قام بعمل دراسة أثبت فيها أن النسخة الأصلية للسفر
( أى أقدم نسخة موجودة حاليا ً ) ترجع إلى القرن الرابع قبل الميلاد [size=21]3 [/size].
إلا أن مخطوطات قمران
Qumran ، و التى اشتملت على ثلاثة أجزاء أرامية للسفر ، فقد دلت بذلك على أنه كتب إبان السبي و فى الشتات ، و عندما يتعرض البعض بأن الآرامية كانت مستخدمة فى فلسطين لفترة طويلة بعد السبى ، فإنه يجب الإنتباه إلى أن اليهود اعتادوا على عمل نهرين لكتاباتهم فى تلك الفترة ، أحدهما عبرى و الآخر أرامى ، و هو ما جمع بعد ذلك فى القرن السادس الميلادى فى كتاب معتمد سمى الترجوم Targom، و لكن مخطوطات قمران كانت بالآرامية فقط ( أي الأجزاء الخاصة بسفر طوبيا )
كذلك فإن الذين يرجحون أن السفر قد كتب فى القرن الثانى قبل الميلاد ، يستندون أيضا ً على وجود بعض الشبه بين بعض آياته ، و بعض آيات أخرى فى سفر يشوع بن سيراخ ، و يرون كذلك أن السفر يمهد لطائفة الفريسيين ، و لكن من الجلّى أن السفر لم يشر إلى الثورة المكابية
( 176 ق.م. ) و لا إلى الفتح المقدونى ، و أما بخصوص طائفة الفريسيين ، فإن كان السفر قد شدّد على التمسك بالوصايا و رفض أطعمة الأمم ، فأن هذين الأمرين قد عالجهما من قبل ، سفر دانيال و الذى جرت أحداثه فى القرن السادس قبل الميلاد ، و أما عن التشابه بين السفر و سفر إبن سيراخ ، فإن الله المعطى الوحى لجميع الأنبياء و الكتاب ، قد عمل فى الكل و ربط بينهم جميعا ً ، و بين الأسفار بذلك الخيط الإلهى القرمزى .
إذا فقد كتب السفر فى القرن السابع قبل الميلاد ، هذا بالنسبة لتاريخ كتابته ، أما عن مكان الكتابة ، فقد كتب السفر فى الشتات
Diaspora و بالتحديد فى بلاد ما بين النهرين ( العراق و إيران حاليا ً ) ذلك لتقوية عزائم اليهود الذين بدأوا فى التحلل من الإلتزام بالناموس متعللين فى ذلك ببعدهم عن أورشليم و تعرضهم للإضطهاد و الضغط العقيدى الوثنى ، و لذلك فإن السفر يحضهم على التمسك بالشريعة و دفن الموتى و إقامة الولائم ، و التصدق ، و الصلاة ، كما يشجعهم بأن الله لن يتخلى عنهم ماداموا ملتصقين به .
و قد رجح العلماء ثلاثة أماكن كموطن للنسخة الأصلية للسفر ، فيرى العالم باتريل
Pautrel أنه كتب فى فلسطين ، بينما يرشح العالم سمسون Simpson مصر كمكان لأول نسخة ، و أما العالم زمري Zinpreman فقد رأى أنه كتب فى سوريا .
فإذا أخذنا فى الأعتبار أن بيئة الكاتب هى الشتات ، فإننا بذلك بذلك نستبعد فلسطين
( باعتبارها الوطن ) و أن مصر فلا يمكن أن تكون هى الوطن الأصلى للسفر ، إذ يرد فى السفر أن الشيطان طرد إلى برية مصر العليا (فرَدَّت رائِحةُ الحوتِ الشَّيطانَ فهَرَبَ في الجَوِّ إِلى نواحي مِصْر[size=21]. [/size]فمَضى رافائيلُ في إثْرِه وشَكَلَه هُناكَ وأَوثَقَه مِن ساعتِه[size=21].[/size]طو 8 : 3 ) و أما بسبب ترجيح سوريا و على وجه الخصوص إنطاكية ، فهو أن إنطاكية فى العصر السلوقى كانت مركزا ً سياسيا ً و تجاريا ً هاما ً ، و بالتالى فمن المحتمل أن تكون أول رحلة للسفر خارج بلاد ما بين النهرين ، هى إنطاكية ، حيث يظهر هناك أول ما يظهر ، فى المنطقة الجنوبية.
كذلك فقد ظن العالم ميليك
Milik أن السفر قد كتب فى السامرة ، و لكن السامرة لم تكن ضمن مناطق الشتات و بالتالى فقد استبعد هذا الرأى ليبقى الرأى الأرجح بأن النسخة الأولى قد كتبت فى أواخر القرن السابع قبل الميلاد فى بلاد ما بين النهرين
| Click this bar to view the full image. |
[/size][/size]