منتدى تماف ايرينى
يتوجب عليك التسجيل لرؤية المنتدى

بركة الام ايرينى تكون معاكم

ساهم برد او موضوع لدعم المنتدى

بركة وشفاعة تماف ايرينى تكون معاكم
منتدى تماف ايرينى
يتوجب عليك التسجيل لرؤية المنتدى

بركة الام ايرينى تكون معاكم

ساهم برد او موضوع لدعم المنتدى

بركة وشفاعة تماف ايرينى تكون معاكم
منتدى تماف ايرينى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى تماف ايرينى الام الغالية*بركة صاحبة المكان تكون معاكم*واهلا بكل الزوار الكرام 2009 نرجو التسجيل والمساهمة لدعم المنتدى *منتدى الام ايرينى*
 
الرئيسيةفخر الرهبنةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 درجات الارتقاء الروحى(الفصل الاول)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ramzy1913
عضوا زهبى
عضوا  زهبى



ذكر
عدد المساهمات : 846
العمر : 79
العمل/الترفيه : اصلاح اجهزة الكترونية
المزاج : عادى
الشفيع : مارمينا
الوظيفة : بالمعاش
الديانة : مسيحى اورثوزوكسى
السٌّمعَة : 3
نقاط : 22998
تاريخ التسجيل : 27/04/2010

درجات الارتقاء الروحى(الفصل الاول) Empty
مُساهمةموضوع: درجات الارتقاء الروحى(الفصل الاول)   درجات الارتقاء الروحى(الفصل الاول) Emptyالأحد مايو 29, 2011 8:42 am

[size=21]سلام ونعمة://

الفصل الأول

درجات الارتقاء الروحي

(متى 5: 3-12)



بدأ المسيح الموعظة بقوله «طُوبَى» (أي: يا لسعادة! أو ما أسعد! أو مبارك). فهي من صيغة «أفعل التفضيل» للمؤنث من أصل «طاب يطيب». وكلمة «طوبى» في اللغة اليونانية «مكاريوس» وهو أحد أسماء جزيرة قبرص، لأن الأقدمين وجدوا في هذه الجزيرة ما يكفيهم من كل شيء، فلم يكونوا يحتاجون لاستيراد شيء من خارجها. وتحمل كلمة «طوبى» أيضاً معنى «بركة من يثق في الله ثقة كاملة ويعمل مشيئته»، كما أنها في الأدب اليوناني القديم كانت تعني «بركة التناغم والتوافق بين الإنسان ومجتمعه».

والطوبى في المسيحية حالة سماوية يتمتع بها المؤمن في هذه الحياة، فهي لا تصف حالة مستقبلية. فالسعيد حقاً هو الذي يجد في علاقته الحميمة مع الله كل ما يحتاج إليه وهو هنا على الأرض.

كان كل الناس في زمن المسيح، كما في زماننا، يطلبون الارتقاء والسعادة، فلا أحد يطلب لنفسه الهبوط والمتاعب.. وكانت هناك عدة طوائف ترى للسعادة سبلاً مختلفة:

(1) سبيل الرجوع إلى الماضي: وهو تفكير طائفة الفريسيين التي كانت تضم المحافظين الأصوليين الذين يظنون السعادة في العودة إلى التراث والتقاليد القديمة، والرجوع إلى الأيام الماضية. وكانوا يخافون من الجديد لئلا يدمر سعادتهم. فالسعادة عندهم كامنة في الأصالة وعدم تغيير شيء.

(2) سبيل الاعتماد على العقل: الذي يجدد ويبتكر، وهو رأي طائفة الصدوقيين، وأغلبهم من الأغنياء أصحاب المكانة السياسية والاجتماعية المرموقة، الذين رأوا الارتقاء في هجر القديم والاتجاه نحو الجديد، فأنكروا وجود الأرواح والملائكة والقيامة والثواب، ووضعوا الاعتبارات السياسية فوق الدينية، ودعوا الناس إلى الأفكار الجديدة والفلسفة المتطورة، والتطلع إلى المستقبل والتغيير. وهؤلاء على عكس الأصوليين تماماً.

(3) سبيل مجاراة العالم: وهو تعليم طائفة الهيرودسيين الذين رأوا السعادة في الذهاب مع العالم، والسير مع التيار، وانتهاز الفرص، لذلك دعوا إلى مجاراة الجو السياسي والاجتماعي السائد ليعيشوا في سعادة.

(4) سبيل الاعتزال عن العالم: وهو تفكير طائفة الأسينيين الذين رأوا السعادة في العزلة والابتعاد عن المدن، والهروب من شرور العالم إلى الصحراء.

(5) سبيل العنف والمقاومة: وهو رأي طائفة الغيورين الذين رأوا السعادة في الوقوف ضد الغريب، ورفع السيف ضد من ليس معهم، ومقاومة المختلفين معهم بالإرهاب والعنف.

وواضحٌ أن كل هذه الطوائف ترى السعادة في البحث خارج النفس الإنسانية.

أما المسيح فقد رأى سر السعادة في داخل نفس الإنسان، وفي ارتقائه الروحي، وفي رضى الله عن الإنسان. وهذا يحتاج إلى فحص الذات وتطهير النفس، لأن سبب تعاسة الإنسان كامنٌ في داخله قبل أن يكون من خارجه! قال النبي إرميا: «اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ » (إرميا 17: 9). فمشكلة العالم هي أساساً داخل الإنسان. فلينظر طالب السعادة داخل نفسه، وليمتحن مواقفه القلبية من نحو الله ومن نحو إخوته من البشر.

وفي الآيات 3-12 قدم لنا المسيح ثماني درجات لسُلَّم روحي نرتقي فيه إلى السعادة والبركة، تقود كل درجة من هذا السلَّم إلى الدرجة التالية:



1- السعيد هو الذي يشعر بحاجته إلى الله

«طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَات» (متى 5: 3)

الدرجة الأولى في سلم الارتقاء الروحي هي الشعور بالحاجة، والافتقار إلى علاقة سليمة حميمة بالله.

وهناك فرق بين المسكين «في الروح» و«المسكين بالروح». فالمسكين في الروح هو الفقير في علاقته بالله، أما المسكين بالروح فهو الذي يشعر باحتياجه الدائم للرب، وقد وصفه المسيح بالسعادة، لأن اليد السفلى تنتظر عون السماء وتناله. وأذكر ثلاثة معانٍ للمسكنة بالروح:

(أ) المسكين بالروح هو الذي يشعر في أعماقه أنه فقير دائماً إلى رحمة الله، وأنه ناقص في الموازين الإلهية: (مزمور 62: 9 ودانيال 5: 27). وهو الذي يعرف أنه بدون الله لا يستطيع شيئاً، ولا يساوي شيئاً، ويقول: «أَمَّا أَنَا فَعَلَى رَحْمَتِكَ تَوَكَّلْتُ. يَبْتَهِجُ قَلْبِي بِخَلاَصِكَ. أُغَنِّي لِلرَّبِّ لأَنَّهُ أَحْسَنَ إِلَيَّ» (مزمور 13: 5، 6). فيتمُّ فيه القول: « هَذَا الْمِسْكِينُ صَرَخَ، وَالرَّبُّ اسْتَمَعَهُ، وَمِنْ كُلِّ ضِيقَاتِهِ خَلَّصَهُ» (مزمور 34: 6).

روى لنا المسيح مثَلاً عن جابي ضرائب مسكين بالروح، وقف في الهيكل من بعيد، لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء، لشدة خجله من خطاياه، وقرع على صدره قائلاً: « اللهُمَّ ارْحَمْنِي أَنَا الْخَاطِئَ ». فكان هذا بداية رقيِّه الروحي، وصار له حق الدخول إلى ملكوت السماوات، وقال المسيح عنه: « أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ هَذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّراً.. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ» (لوقا 18: 13، 14).

وكان اللص المصلوب التائب مسكيناً بالروح، فقال للمسيح: «اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ». وبهذه الطلبة ارتقى أولى درجات السلّم الروحي، فدخل ملكوت السماوات لما قال المسيح له: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ» (لوقا 23: 42، 43).

المسكين بالروح هو الذي يهتف مع رسول المسيحية بولس: «لَيْسَ أَنَّنَا كُفَاةٌ مِنْ أَنْفُسِنَا أَنْ نَفْتَكِرَ شَيْئاً كَأَنَّهُ مِنْ أَنْفُسِنَا، بَلْ كِفَايَتُنَا مِنَ اللهِ، الَّذِي جَعَلَنَا كُفَاةً لأَنْ نَكُونَ خُدَّامَ عَهْدٍ جَدِيدٍ» (2كورنثوس 3: 5، 6).

ومن المؤسف أن البشر لا يرتقون روحياً لأنهم عادةً ينتفخون بكبرياء داخلي، ولا يحبون أن يشعروا بالمسكنة الروحية، كما فعل قائد كنيسة لاودكية، فوبَّخه المسيح بالقول: « لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ، وَالْبَائِسُ، وَفَقِيرٌ، وَأَعْمَى، وَعُرْيَانٌ. أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَباً مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَاباً بِيضاً لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْلٍ لِكَيْ تُبْصِرَ» (رؤيا 3: 17، 18).

وكان الهدف من التوبيخ أن تكون الطوبى والارتقاء الروحي من نصيب هذا القائد. وهذا ما أراده الله لشعبه إذ قال: «أَنْزِعُ مِنْ وَسَطِكِ مُبْتَهِجِي كِبْرِيَائِكِ، وَلَنْ تَعُودِي بَعْدُ إِلَى التَّكَبُّرِ فِي جَبَلِ قُدْسِي، وَأُبْقِي فِي وَسَطِكِ شَعْباً بَائِساً وَمِسْكِيناً، فَيَتَوَكَّلُونَ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ» (صفنيا 3: 11، 12).

فما أسعد المسكين بالروح، الذي يقول له المسيح: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ، ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ» (لوقا 4: 18).

طوبى لمن اكتشف فقره الروحي، فألقى كل هموم روحه وجسده على الله.

(ب) والمسكين بالروح هو الذي يتواضع ويختار أن يضحي من أجل المسيح ، ومن أجل إخوته، ومن أجل جيرانه، مطيعاً الأمر الإلهي: «وَأَنْتَ فَهَلْ تَطْلُبُ لِنَفْسِكَ أُمُوراً عَظِيمَةً؟ لاَ تَطْلُبُ!» (إرميا 45: 5). وهو الذي يحيا بحسب النصيحة الربانية «مَتَى دُعِيتَ مِنْ أَحَدٍ إِلَى عُرْسٍ فَلاَ تَتَّكِئْ فِي الْمُتَّكَإِ الأَوَّلِ، لَعَلَّ أَكْرَمَ مِنْكَ يَكُونُ قَدْ دُعِيَ مِنْهُ، فَيَأْتِيَ الَّذِي دَعَاكَ وَإِيَّاهُ وَيَقُولَ لَكَ: أَعْطِ مَكَاناً لِهَذَا. فَحِينَئِذٍ تَبْتَدِئُ بِخَجَلٍ تَأْخُذُ الْمَوْضِعَ الأَخِيرَ. بَلْ مَتَى دُعِيتَ فَاذْهَبْ وَاتَّكِئْ فِي الْمَوْضِعِ الأَخِيرِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ الَّذِي دَعَاكَ يَقُولُ لَكَ: يَا صَدِيقُ، ارْتَفِعْ إِلَى فَوْقُ. حِينَئِذٍ يَكُونُ لَكَ مَجْدٌ أَمَامَ الْمُتَّكِئِينَ مَعَكَ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ» (لوقا 14: 8-11).

(ج) والمسكين بالروح هو الذي يعرف أن كل ما عنده عطية من عند الله: كما قال الملك داود للرب: «مِنْكَ الْجَمِيعُ، وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ» (1أيام 29: 14). ومثل النبي عاموس الذي قال: «لَسْتُ أَنَا نَبِيّاً وَلاَ أَنَا ابْنُ نَبِيٍّ، بَلْ أَنَا رَاعٍ وَجَانِي جُمَّيْزٍ، فَأَخَذَنِي الرَّبُّ مِنْ وَرَاءِ الضَّأْنِ وَقَالَ لِي الرَّبُّ: اذْهَبْ تَنَبَّأْ لِشَعْبِي» (عاموس 7: 14، 15).

ويسألنا الوحي: « أَيُّ شَيْءٍ لَكَ لَمْ تَأْخُذْهُ؟ (بمعنى أنك لم تحصل على شيء بمجهودك، لكنه من كرم الله عليك). وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ، فَلِمَاذَا تَفْتَخِرُ كَأَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْ؟» (1كورنثوس 4: 7).

وكل من يعرف أن ما عنده عطية إلهية يملك الله على حياته هنا، ويمنحه الحياة الأبدية في الحياة الأخرى، لأنه عضو في ملكوت الله.

والجزاء الذي يمنحه الله للمسكين بالروح هو أن يُدخله ملكوت السماوات، فيكون من رعايا الملك السماوي الآن! فالمسيح لا يقول «سيكون» لهم ملكوت السماوات، ولا يقول «ربما» يكون لهم، بل «لأن لهم» الملكوت هنا والآن.

وهذا الملكوت يتكون من ثلاث خطوات:

(أ) أولها أنه يبدأ كبذرة في قلب المؤمن : يقول الله له فيها: « مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ» (لوقا 17: 21).

(ب) ثم ينمو ويصير شجرة تنمو من البذرة: فقد قال المسيح: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَلٍ أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ، وَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُزُورِ. وَلَكِنْ مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ، وَتَصِيرُ شَجَرَةً، حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَأْتِي وَتَتَآوَى فِي أَغْصَانِهَا» (متى 13: 31، 32) فنقول: « كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ» (2كورنثوس 6: 10). «لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ الْعَلِيُّ الْمُرْتَفِعُ سَاكِنُ الأَبَدِ الْقُدُّوسُ اسْمُهُ: فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ الْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ الْمُنْسَحِقِ وَالْمُتَوَاضِعِ الرُّوحِ، لأُحْيِيَ رُوحَ الْمُتَوَاضِعِينَ، وَلأُحْيِيَ قَلْبَ الْمُنْسَحِقِينَ» (إشعياء 57: 15).

(ج) وخطوته الثالثة المجازاة الكاملة في الأرض وفي سماء المجد: فيربح نفوساً للمسيح، كما قال المسيح لبطرس وأندراوس: «هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ» (متى 4: 19) فإن «رَابِحَ النُّفُوسِ حَكِيمٌ» (أمثال 11: 30).

أما في سماء المجد فيقول الرب له: «نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. ادْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ» (متى 25: 23).

آية للحفظ

«طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَات» (متى 5: 3)

صلاة

أعترف لك يا رب بفقري الروحي، وأطلب أن يبدأ ملكوتك بذرة في قلبي تنمو كشجرة زاهية مثمرة

سؤال

1- ما معنى «مسكين بالروح»؟



2- السعيد هو الحزين التائب

«طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ» ( متى 5: 4)

الدرجة الثانية في سلّم الارتقاء الروحي هي حزن التوبة على الخطية، والحزن على غير التائبين بسبب مصيرهم المظلم. وواضحٌ أن المسيح لا يطوِّب الحزن في ذاته، فلا سعادة في الخسارة المادية، أو في فقدان عزيز، أو في اليأس كما حزن الإسخريوطي وخنق نفسه، بل إننا نرثي لمثل هؤلاء ونشجعهم. لكن الحزين الذي طوَّبه المسيح هو الحزين على خطاياه، وعلى خطايا سواه.

إنه الحزن الذي قال عنه بولس الرسول لأهل كورنثوس: « اَلآنَ أَنَا أَفْرَحُ، لاَ لأَنَّكُمْ حَزِنْتُمْ، بَلْ لأَنَّكُمْ حَزِنْتُمْ لِلتَّوْبَةِ.. لأَنَّ الْحُزْنَ الَّذِي بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يُنْشِئُ تَوْبَةً لِخَلاَصٍ بِلاَ نَدَامَةٍ، وَأَمَّا حُزْنُ الْعَالَمِ فَيُنْشِئُ مَوْتاً» (2كورنثوس 7: 9، 10).

ولكن يالتعاسة من يستخفُّ بخطاياه ويؤجل توبته. لمثله يقول الوحي: « أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ وَلَكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَباً فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ، الَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ» (رومية 2: 4-6).

ودرجة التوبة تتلو درجة الإحساس بالفقر الروحي، الذي يُسعد الله صاحبه بأن يُغنيه ويعزيه.

(أ) الحزين المطوَّب هو الذي يحزن على خطاياه: ويعترف بها ويتوب عنها، فينال الغفران المجاني. فالسعادة حقاً هي مِن نصيب مَن يشعر بفقره الروحي، ويحزن على حالته الروحية وعلى خطاياه، إذ ينطبق عليه قول الوحي: « إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (1يوحنا 1: 9). فسعيد هو الإنسان الذي يجهِّزه حزنه لتلقّي السعادة.

عندما قرأ رئيس الكهنة سفر الشريعة على يوشيا ملك يهوذا، أدرك الملك خطاياه وخطايا شعبه، فشعر أنه مسكين بالروح وحزن على خطاياه، واعترف بها لله وتاب، فقال الله له: « مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ رَقَّ قَلْبُكَ وَتَوَاضَعْتَ أَمَامَ الرَّبِّ حِينَ سَمِعْتَ مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ.. وَمَزَّقْتَ ثِيَابَكَ وَبَكَيْتَ أَمَامِي، قَدْ سَمِعْتُ أَنَا أَيْضاً، يَقُولُ الرَّبُّ» (2ملوك 22: 19). وهكذا نال تعزية الغفران.

وقال المرنم في مزمور التوبة: «أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي. أُذَوِّبُ فِرَاشِي». فنال تعزية الرب، وقال: «الرَّبُّ قَدْ سَمِعَ صَوْتَ بُكَائِي. سَمِعَ الرَّبُّ تَضَرُّعِي. الرَّبُّ يَقْبَلُ صَلاَتِي» (مزمور 6: 6، 8، 9).

وعندما أُخذ المسيح للمحاكمة قال أحد اليهود عن بطرس إنه من تلاميذ المسيح « فَقَالَ بُطْرُسُ: يَا إِنْسَانُ، لَسْتُ أَعْرِفُ مَا تَقُولُ! وَفِي الْحَالِ بَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ صَاحَ الدِّيكُ. فَالْتَفَتَ الرَّبُّ وَنَظَرَ إِلَى بُطْرُسَ، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ الرَّبِّ كَيْفَ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَخَرَجَ بُطْرُسُ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرّاً» (لوقا 22: 60-62). وغفر المسيح لبطرس، وشجعه وأوكل إليه رعاية المؤمنين كباراً وصغاراً (يوحنا 21: 15-17).

وينال الحزين على خطاياه تعزية سماوية لأن الرب يقول له: « أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا» (إشعياء 43: 25)

(ب) والحزين المطوَّب هو من يحزن على خطايا غيره: ويصلي لأجلهم حتى يتوبوا. هذا حزن الكارز، كما قيل عن المسيح « وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ (أورشليم) وَبَكَى عَلَيْهَا قَائِلاً: إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضاً حَتَّى فِي يَوْمِكِ هَذَا مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ. وَلَكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ» (لوقا 19: 41-44).

وما أبلغ حزن المرنم وهو يقول: « جَدَاوِلُ مِيَاهٍ جَرَتْ مِنْ عَيْنَيَّ لأَنَّهُمْ لَمْ يَحْفَظُوا شَرِيعَتَكَ» (مزمور 119: 136). وهو حزن النبي إرميا على أمَّته الضالة، فقال : « أَحْشَائِي أَحْشَائِي! تُوجِعُنِي جُدْرَانُ قَلْبِي. يَئِنُّ فِيَّ قَلْبِي. لاَ أَسْتَطِيعُ السُّكُوتَ. لأَنَّكِ سَمِعْتِ يَا نَفْسِي صَوْتَ الْبُوقِ وَهُتَافَ الْحَرْبِ. بِكَسْرٍ عَلَى كَسْرٍ نُودِيَ، لأَنَّهُ قَدْ خَرِبَتْ كُلُّ الأَرْضِ.. يَا لَيْتَ رَأْسِي مَاءٌ وَعَيْنَيَّ يَنْبُوعُ دُمُوعٍ فَأَبْكِيَ نَهَاراً وَلَيْلاً قَتْلَى بِنْتِ شَعْبِي.. اِسْمَعُوا وَاصْغُوا. لاَ تَتَعَظَّمُوا لأَنَّ الرَّبَّ تَكَلَّمَ. أَعْطُوا الرَّبَّ إِلَهَكُمْ مَجْداً.. وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا ذَلِكَ فَإِنَّ نَفْسِي تَبْكِي فِي أَمَاكِنَ مُسْتَتِرَةً مِنْ أَجْلِ الْكِبْرِيَاءِ، وَتَبْكِي عَيْناَيَ بُكَاءً وَتَذْرِفُ الدُّمُوعَ، لأَنَّهُ قَدْ سُبِيَ قَطِيعُ الرَّبِّ» (إرميا 4: 19، 20 و9: 1 و13: 15-17).

ويتعزى من يحزن على خطايا سواه بتوبة كثيرين منهم، كما عزَّى الرب إرميا النبي الباكي (في إرميا 1: 11، 12) عندما سأله: «مَاذَا أَنْتَ رَاءٍ يَا إِرْمِيَا؟» فأجاب: «أَنَا رَاءٍ قَضِيبَ لَوْزٍ» (وكلمة لوز في اللغة العبرية تعني شجرة اللوز، كما تعني أيضاً: السهر. فقال إرميا إنه يرى غصن شجرة لوز، ورفع الرب نظره إلى المعنى الثاني لكلمة لوز) وقال له: «أَحْسَنْتَ الرُّؤْيَةَ، لأَنِّي أَنَا سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لأُجْرِيَهَا» لأن الله يقظٌ وساهرٌ دوماً لينفذ أقواله السماوية.

سعيد هو الحزين على خطاياه وعلى خطايا سواه، كما هو مكتوب « صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ: أَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَهُ فَسَنَحْيَا أَيْضاً مَعَهُ. إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضاً مَعَهُ» (2تيموثاوس 2: 11، 12).

آية للحفظ

«طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ» ( متى 5: 4)

صلاة

يا رب، إني تائب إليك فارحمني واغفر خطاياي، واجعلني آلة طيِّعة في يدك تجتذب الخطاة.

سؤال

2- ما هي تعزية الحزين على خطاياه؟



3- السعيد هو الوديع

«طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ» (متى 5: 5)

عندما يشعر الإنسان بافتقاره إلى الله يكون قد وضع قدمه على أول درجات سلّم السعادة، الذي يؤدي به إلى حزنه على خطاياه، فيصير وديعاً متواضعاً.

وقد ذكر الوحي أن كليم الله موسى كان حليماً جداً (أي وديعاً جداً) أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض (عدد 12: 3)، فقد دعاه الله وهو يرعى الغنم في مديان ليُخرج شعبه من مصر، فشعر بأنه غير مستحق. ونحن نستمد الوداعة من المسيح الذي قال: «لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ» (متى 11: 29). والذي تحدث الوحي عن وداعته وحلمه (2كورنثوس 10: 1) وقال إنه وديع (زكريا 9: 9). فما أسعد الوديع الذي يشترك مع موسى كليم الله في صفة الوداعة، والذي يستمد وداعته من المسيح كلمة الله.

قال المرنم: « أَمَّا الْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ الأَرْضَ، وَيَتَلَذَّذُونَ فِي كَثْرَةِ السَّلاَمَةِ.. لأَنَّ الْمُبَارَكِينَ مِنْهُ يَرِثُونَ الأَرْضَ.. انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاحْفَظْ طَرِيقَهُ فَيَرْفَعَكَ لِتَرِثَ الأَرْضَ » (مزمور 37: 11، 22، 34). فمن هو الوديع السعيد؟

أذكر للوداعة ثلاثة معانٍ:

(أ) أولها أن الوديع هو المفترس الذي صار أليفاً: هو المتوحش الذي استُؤنس، والقوي في الشر الذي خضع لله فصار يصنع خيراً. إنه مثل شاول الطرسوسي الذي كان ينفث تهدداً وقتلاً على المؤمنين بالمسيح (أعمال 9: 1)، فظهر له المسيح بنور عظيم من السماء، فسقط على وجهه يقول: «مَاذَا تُرِيدُ يَا رَبُّ أَنْ أَفْعَلَ؟». وقد وصف اختباره هذا بقوله: « أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلاً مُجَدِّفاً وَمُضْطَهِداً وَمُفْتَرِياً. وَلَكِنَّنِي رُحِمْتُ، لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْلٍ فِي عَدَمِ إِيمَانٍ. وَتَفَاضَلَتْ نِعْمَةُ رَبِّنَا جِدّاً مَعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا» (1تيموثاوس 1: 13-15). وقال للمؤمنين بالمسيح الذين سبق أن اضطهدهم: « وأَمَّا أَنَا فَبِكُلِّ سُرُورٍ أُنْفِقُ وَأُنْفَقُ لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ، وَإِنْ كُنْتُ كُلَّمَا أُحِبُّكُمْ أَكْثَرَ أُحَبُّ أَقَلَّ!» (2كورنثوس 12: 15).

(ب) والوديع هو اللطيف الحليم: هو مثل المسيح الذي ظهرت وداعته في أنه كان « يَطُوفُ الْمُدُنَ كُلَّهَا وَالْقُرَى يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهَا وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ فِي الشَّعْبِ. وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا» (متى 9: 35، 36). فما أسعد المؤمن الحليم الوديع الذي يصفه الوحي بالقول: « اَلْبَطِيءُ الْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ الْجَبَّارِ، وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً» (أمثال 16: 32).

(ج) والوديع هو القابل للتعليم: وصفه الوحي بالقول: « اطْرَحُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ وَكَثْرَةَ شَرٍّ. فَاقْبَلُوا بِوَدَاعَةٍ الْكَلِمَةَ الْمَغْرُوسَةَ الْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ» (يعقوب 1: 21). إنه متواضع، يشعر أنه لا يعرف أشياء كثيرة، فيفتح قلبه وعقله ليتعلم. إنه مثل إسفنجة مستعدة لتتشرَّب المزيد من المعرفة، كما كانت العذراء القديسة مريم، التي عندما سمعت كلام الرعاة عن الطفل يسوع « كَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هَذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا» (لوقا 2: 19)، ومثل مريم أخت مرثا التي « جَلَسَتْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ وَكَانَتْ تَسْمَعُ كَلاَمَهُ.. فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا» (لوقا 10: 39-42).

وهناك بركتان على الأقل ينالهما الوديع:

(أ) الوديع يرث الأرض الروحية: هنا على الأرض، وهناك في السماء الجديدة والأرض الجديدة (رؤيا 21: 1). فقد قال الوحي: « مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ، أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ» (1بطرس 1: 3-5).

(ب) والوديع يربح سكان الأرض: فإن رابح النفوس حكيم (أمثال 11: 30). وكل من يتبع المسيح يكرمه المسيح بأن يجعله صياداً للناس (متى 4: 19).

قال بطرس للمسيح: «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ». فأجابه: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتاً، أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ، أَوْ أَباً أَوْ أُمّاً، أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَداً، أَوْ حُقُولاً، لأَجْلِي وَلأَجْلِ الإِنْجِيلِ، إِلاَّ وَيَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ الآنَ فِي هَذَا الزَّمَانِ: بُيُوتاً، وَإِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ وَأُمَّهَاتٍ وَأَوْلاَداً، وَحُقُولاً مَعَ اضْطِهَادَاتٍ، وَفِي الدَّهْرِ الآتِي الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ» (مرقس 10: 28-30).

آية للحفظ

«طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ» (متى 5: 5)

صلاة

يا رب، أشكرك لأن المسيح يعلمني الوداعة، فاجعلني وديعاً مستعداً أن أتعلم ما يقوله لي الروح القدس

سؤال

3- ما هي معاني الوداعة؟



4- السعيد هو الذي بلغ درجة الجوع والعطش

إلى البر

«طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ» (متى 5: 6)

عندما يشعر الإنسان بفقره الروحي يلجأ إلى الرب فيعزيه ويغفر له، فيحس بالوداعة، ويرتقي في السلّم الروحي إلى درجة الجوع والعطش لمزيدٍ من الارتقاء الروحي. والجوع والعطش علامة الحياة، فإن الموتى لا يجوعون ولا يعطشون.

وهناك أحياء بالجسد لكنهم أموات بالروح، يجوعون ويعطشون فقط للثروة والجاه والعلم والشهوة، ولكنهم لا يشعرون بالجوع والعطش إلى الله، لأن المسرات العالمية تجتذبهم إلى أوهام شبع كاذب يشوِّش قلوبهم ويعمي أبصارهم فلا يحسون بالجوع! وينطبق عليهم الوصف « شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ آبَاراً آبَاراً مُشَقَّقَةً، لاَ تَضْبُطُ مَاءً» (إرميا 2: 13).

أما الجياع والعطاش إلى البر فإنهم أحياء جسدياً وروحياً، يجوعون إلى علاقة سليمة حميمة مع الله تتعمق كل يوم، ويقولون مع القديس أغسطينوس: «اللهم، لقد خلقتنا لذاتك، فلن تجد نفوسنا راحةً إلا إذا استراحت فيك». وقد شبَّه القديس أغسطينوس العالم بكُرة، وشبَّه النفس الإنسانية بمثلث، وقال إن الكرة لن تملأ كل جوانب المثلث، لأن الله جعل الأبدية في قلب البشر (جامعة 3: 11). والأحرى بهم أن يهتفوا مع المرنم: « يَا اللهُ إِلَهِي أَنْتَ، إِلَيْكَ أُبَكِّرُ. عَطِشَتْ إِلَيْكَ نَفْسِي، يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي فِي أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَيَابِسَةٍ بِلاَ مَاءٍ، لِكَيْ أُبْصِرَ قُوَّتَكَ وَمَجْدَكَ كَمَا قَدْ رَأَيْتُكَ فِي قُدْسِكَ» (مزمور 63: 1، 2).

لو قلت لي: لأي شيء أنت جائع، أقُل لك من أنت، فما أسعد من يجوع للبر!

• ما هو البر الذي نجوع ونعطش له فيروينا الرب به؟
(أ) البر هو العلاقة السليمة مع الله: عاش آدم وحواء في الجنة في أُنس بالله، ولكن عندما عصى آدمُ ربَّه ضيَّعت الخطيةُ علاقته الحلوة بالله، وأخطأ آدم فأخطأت ذريته، وقتل الأخ أخاه، وفسدت الخليقة « كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ. الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً» (رومية 3: 10-12).

ولكن الله المحب الصالح تدخَّل ليعيد علاقتنا به « وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ، مَشْهُوداً لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ، بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ. إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ، مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ. لإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارّاً وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ» (رومية 3: 21-26). وبكفارة المسيح يستر الله خطايانا، فنقول: « فَرَحاً أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلَهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ، كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ» (إشعياء 61: 10). هذا هو لباس التقوى، وهو خير، وهو من آيات الله.

(ب) والبر هو العدالة وإعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه: فتؤدي عملك على أكمل وجه، وتسدد ديونك، وتؤدي الأمانة إلى أصحابها، ولا تظلم أحداً، ولا تذمّ أحداً أو تمدحه بما ليس فيه، وتدافع عن المظلوم في غيابه، وتتفق في الرأي مع من يختلف معك إن رأيت رأيه صواباً، وتعمل بالوصية القائلة: «لاَ تَغْصِبْ قَرِيبَكَ، وَلاَ تَسْلِبْ، وَلاَ تَبِتْ أُجْرَةُ أَجِيرٍ عِنْدَكَ إِلَى الْغَدِ. لاَ تَشْتِمِ الأَصَمَّ، وَقُدَّامَ الأَعْمَى لاَ تَجْعَلْ مَعْثَرَةً، بَلِ اخْشَ إِلَهَكَ. أَنَا الرَّبُّ. لاَ تَرْتَكِبُوا جَوْراً فِي الْقَضَاءِ. لاَ تَأْخُذُوا بِوَجْهِ مِسْكِينٍ وَلاَ تَحْتَرِمْ وَجْهَ كَبِيرٍ. بِالْعَدْلِ تَحْكُمُ لِقَرِيبِكَ. لاَ تَسْعَ فِي الْوِشَايَةِ بَيْنَ شَعْبِكَ» (لاويين 19: 13-16).

(ج) والبر هو إعطاء نفسك حقها: فلا تستعبد نفسك لشيء أو شخص، ولا تُفسد جسدك بالتدخين أو الخمر أو المخدرات أو الشهوات، ولا تسمح للكراهية أن تسيطر عليك مهما كرهك الكارهون « فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ » (أفسس 5: 29).

ما أسعد الإنسان الذي يعترف بجوعه للتبرير الإلهي، ولعطشه لأن يعطي الآخرين حقوقهم، ولجوعه وعطشه لأن يعطي عقله وروحه ونفسه وجسده حقوقها. « وَإِلَهُ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِالتَّمَامِ. وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ، وَنَفْسُكُمْ، وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلاَ لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1تسالونيكي 5: 23).

2- مكافأة الجياع والعطاش إلى البر:

يطوِّب المسيح الجياع للبر لأنه يشبعهم ويرويهم. لقد استجابوا للدعوة الكريمة: « أَيُّهَا الْعِطَاشُ جَمِيعاً هَلُمُّوا إِلَى الْمِيَاهِ، وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ فِضَّةٌ تَعَالُوا اشْتَرُوا وَكُلُوا. هَلُمُّوا اشْتَرُوا بِلاَ فِضَّةٍ وَبِلاَ ثَمَنٍ خَمْراً وَلَبَناً. لِمَاذَا تَزِنُونَ فِضَّةً لِغَيْرِ خُبْزٍ، وَتَعَبَكُمْ لِغَيْرِ شَبَعٍ؟ اسْتَمِعُوا لِي اسْتِمَاعاً وَكُلُوا الطَّيِّبَ وَلْتَتَلَذَّذْ بِالدَّسَمِ أَنْفُسُكُمْ. أَمِيلُوا آذَانَكُمْ وَهَلُمُّوا إِلَيَّ. اسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ» (إشعياء 55: 1-3).. واستجابوا لدعوة المسيح: «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ الْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ» (يوحنا 7: 37، 38).

وعندما يشبع المؤمن ويرتوي يهتف شاكراً: «أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى الأَبَدِ.. أَمَّا أَنَا فَبِالْبِرِّ أَنْظُرُ وَجْهَكَ. أَشْبَعُ إِذَا اسْتَيْقَظْتُ بِشَبَهِكَ.. لأَنَّهُ أَشْبَعَ نَفْساً مُشْتَهِيَةً وَمَلأَ نَفْساً جَائِعَةً خُبْزاً» (مزمور 16: 11، 17: 15، 107: 9).

آية للحفظ

«طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ» (متى 5: 6)

صلاة

أمامك شبع سرور. في يمينك نِعمٌ إلى الأبد. وأنا جائع متعطش إلى حضورك ونِعمك، فأشبعني واروني بك.

سؤال

4- اذكر ثلاثة معانٍ لكلمة «بر».



5- السعيد هو الذي يرحم غيره

« طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ» (متى 5: 7)

هذه هي الدرجة الخامسة في سلّم الارتقاء الروحي، فالمساكين الذين اغتنوا، والحزانى الذين تعزوا صاروا ودعاء، جياعاً عطاشاً إلى البر، يقدمون الرحمة لغيرهم من المحتاجين، فيُسعِدون ويَسعَدون.

والسعيد هو الرحيم الذي يتمثَّل بالله الرحيم. لم يكن الرومان يعرفون الرحمة، فقد اعتزوا بالقوة والحروب، وكانت المصارعة رياضتهم المفضلة. وقصر اليهود الرحمة على بني جنسهم، فتقول التوراة: « لا تَأْكُلُوا جُثَّةً مَا. تُعْطِيهَا لِلغَرِيبِ الذِي فِي أَبْوَابِكَ فَيَأْكُلُهَا أَوْ يَبِيعُهَا لأَجْنَبِيٍّ، لأَنَّكَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ» (تثنية 14: 21)، وتقول أيضاً: «فِي آخِرِ سَبْعِ سِنِينَ تَعْمَلُ إِبْرَاءً. وَهَذَا هُوَ حُكْمُ الإِبْرَاءِ: يُبْرِئُ كُلُّ صَاحِبِ دَيْنٍ يَدَهُ مِمَّا أَقْرَضَ صَاحِبَهُ. لا يُطَالِبُ صَاحِبَهُ وَلا أَخَاهُ لأَنَّهُ قَدْ نُودِيَ بِإِبْرَاءٍ لِلرَّبِّ. الأَجْنَبِيَّ تُطَالِبُ، وَأَمَّا مَا كَانَ لكَ عِنْدَ أَخِيكَ فَتُبْرِئُهُ يَدُكَ مِنْهُ» (تثنية 15: 1-3) . (راجع اللاويين 25: 39-46).

أما المسيح فيقول إن الرحيم هو السعيد، لأنه يتمثل بالله الرحيم وبالمسيح الذي هو الرحمة نفسها. وما أجمل ما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:

وُلد الرِّفـقُ يوم مـولد عيسى والمروءاتُ والهُـدى والحياءُ

وازدهى الكونُ بالوليد وضاءت بسناهُ من الثَّرى الأرجــاء

وسَرَت آيةُ المسيح كما يسري من الفجر في الوجود الضياءُ

لا وعيدٌ، لا صولةٌ، لا انتقـامُ، لا حُسامٌ، لا غزوة، لا دمـاءُ

وقد ظهرت رحمة الله لآدم عندما أخطأ، فأعطاه كلمات مشجعة، هي أن المسيح «نسل المرأة» سيسحق رأس الشيطان (تكوين 3: 15) ثم فداه بذبيحة وكسى عريه وعري زوجته «بأقمصة من جلد» (تكوين 3: 21). ويقول الوحي: « الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ.. وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ، مَشْهُوداً لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ.. مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ. لإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارّاً وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ» (رومية 3: 12، 21، 24-26).

• من هو الرحيم؟

(1) هو الذي يرحم الآخرين بأن يهتم باحتياجاتهم المادية: دون النظر إلى جنسهم أو لونهم أو ديانتهم، كما اهتم السامري الصالح باليهودي الجريح، فتحنَّن عليه وضمد جراحاته، وصبَّ عليها زيتاً وخمراً، وأركبه على دابته، وأتى به إلى فندق واعتنى به. وفي الغد وهو يمضي لحال سبيله أعطى صاحب الفندق دينارين وقال له: « اعْتَنِ بِهِ وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ أَكْثَرَ فَعِنْدَ رُجُوعِي أُوفِيكَ» (لوقا 10: 33-35) .

(2) هو الذي يرحم المخطئين في حقه ويغفر لهم: قال المسيح: « فَإِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلاتِهِمْ يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلاتِهِمْ لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضاً زَلاتِكُمْ» (متى 6: 14، 15). وقال الرسول بولس: « كُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضاً فِي الْمَسِيحِ» (أفسس 4: 32).

سأل بطرس المسيح: «يَا رَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟» فأجابه: «لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ».

وبالطبع لم يقصد المسيح تحديد حدٍّ أقصى للغفران، بل قصد أن يطلق الغفران بلا حدود!

ثم ضرب هذا المثل: « يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَاناً مَلِكاً أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ. فَلَمَّا ابْتَدَأَ فِي الْمُحَاسَبَةِ قُدِّمَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ بِعَشْرَةِ آلاَفِ وَزْنَةٍ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي أَمَرَ سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَأَوْلاَدُهُ وَكُلُّ مَا لَهُ وَيُوفَى الدَّيْنُ. فَخَرَّ الْعَبْدُ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ. فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَأَطْلَقَهُ وَتَرَكَ لَهُ الدَّيْنَ.

«وَلَمَّا خَرَجَ ذَلِكَ الْعَبْدُ وَجَدَ وَاحِداً مِنَ الْعَبِيدِ رُفَقَائِهِ كَانَ مَدْيُوناً لَهُ بِمِئَةِ دِينَارٍ، فَأَمْسَكَهُ وَأَخَذَ بِعُنُقِهِ قَائِلاً: أَوْفِنِي مَا لِي عَلَيْكَ. فَخَرَّ الْعَبْدُ رَفِيقُهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلاً: تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ. فَلَمْ يُرِدْ، بَلْ مَضَى وَأَلْقَاهُ فِي سِجْنٍ حَتَّى يُوفِيَ الدَّيْنَ.

«فَلَمَّا رَأَى الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُ مَا كَانَ حَزِنُوا جِدّاً. وَأَتَوْا وَقَصُّوا عَلَى سَيِّدِهِمْ كُلَّ مَا جَرَى. فَدَعَاهُ حِينَئِذٍ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ كُلُّ ذَلِكَ الدَّيْنِ تَرَكْتُهُ لَكَ لأَنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ. أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضاً تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟

«وَغَضِبَ سَيِّدُهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُعَذِّبِينَ حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ».

ثم ختم المسيح المثَل بتعليقٍ قال فيه: «فَهَكَذَا أَبِي السَّمَاوِيُّ يَفْعَلُ بِكُمْ إِنْ لَمْ تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لأَخِيهِ زَلاتِهِ » (متى 18: 21-35).

(3) هو الذي يدعو الناس إلى التوبة وخلاص نفوسهم: طاعةً للوصية الرسولية «ارْحَمُوا الْبَعْضَ مُمَيِّزِينَ، وَخَلِّصُوا الْبَعْضَ بِالْخَوْفِ مُخْتَطِفِينَ مِنَ النَّارِ» (يهوذا 22، 23).

(ب) مكافأة الرحيم:

الرحيم ينال رحمةً لأنه يبيت مستريح الضمير، والرب يكافئه. قال المرنم: « طُوبَى لِلَّذِي يَنْظُرُ إِلَى الْمِسْكِينِ. فِي يَوْمِ الشَّرِّ يُنَجِّيهِ الرَّبُّ. الرَّبُّ يَحْفَظُهُ وَيُحْيِيهِ. يَغْتَبِطُ فِي الأَرْضِ، وَلاَ يُسَلِّمُهُ إِلَى مَرَامِ أَعْدَائِهِ. الرَّبُّ يَعْضُدُهُ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ الضُّعْفِ. مَهَّدْتَ مَضْجَعَهُ كُلَّهُ فِي مَرَضِهِ » (مزمور 41: 1-3).

وقال سليمان الحكيم: « مَنْ يَرْحَمُ الْفَقِيرَ يُقْرِضُ الرَّبَّ، وَعَنْ مَعْرُوفِهِ يُجَازِيهِ» (أمثال 19: 17). فكأن من رحم الفقير قدَّم قرضاً للرب نفسه! أما قاسي القلب فيقول عنه: « مَنْ يَسُدُّ أُذُنَيْهِ عَنْ صُرَاخِ الْمِسْكِينِ فَهُوَ أَيْضاً يَصْرُخُ وَلاَ يُسْتَجَابُ» (أمثال 21: 13).

ويقدم الحكيم نصيحة غالية، إذ يقول: « اِرْمِ خُبْزَكَ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ. أَعْطِ نَصِيباً لِسَبْعَةٍ وَلِثَمَانِيَةٍ أَيْضاً، لأَنَّكَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَيَّ شَرٍّ يَكُونُ عَلَى الأَرْضِ» (جامعة 11: 1، 2).

وقال النبي إشعياء إنك إن « أَنْفَقْتَ نَفْسَكَ لِلْجَائِعِ، وَأَشْبَعْتَ النَّفْسَ الذَّلِيلَةَ، يُشْرِقُ فِي الظُّلْمَةِ نُورُكَ، وَيَكُونُ ظَلاَمُكَ الدَّامِسُ مِثْلَ الظُّهْرِ، وَيَقُودُكَ الرَّبُّ عَلَى الدَّوَامِ، وَيُشْبِعُ فِي الْجَدُوبِ نَفْسَكَ، وَيُنَشِّطُ عِظَامَكَ فَتَصِيرُ كَجَنَّةٍ رَيَّا وَكَنَبْعِ مِيَاهٍ لاَ تَنْقَطِعُ مِيَاهُهُ» (إشعياء 58: 10، 11).

وقال المسيح إن الله الديان في اليوم الأخير يقول للذين عن يمينه: «تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً فَأَطْعَمْنَاكَ أَوْ عَطْشَاناً فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيباً فَآوَيْنَاكَ أَوْ عُرْيَاناً فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضاً أَوْ مَحْبُوساً فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ الْمَلِكُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي فَعَلْتُمْ» (متى 25: 34-40).

آية للحفظ

« طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ» (متى 5: 7)

صلاة

علِّمني أن أكون صاحب مشاعر رحيمة نحو المحتاجين، وأن أكون غفوراً لمن يسيئون إليَّ

سؤال

5- في كلمات قليلة اروِ مثَل «السامري الصالح».



6- السعيد هو النقي القلب

« طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ» (متى 5: Cool

هذه درجة أعلى في سلم الارتقاء الروحي، فالذي يشعر بمسكنته، يصير وديعاً، جائعاً إلى مزيد من البر، يرثي لغيره ويرحم، فيتنقَّى قلبُه. والنقاء الذي يرتقي إليه المؤمن هو نقاء القلب والروح والداخل، لا نقاوة الغسلات والطقوس الخارجية. وهذا ما طالب المسيح به شيوخ اليهود عندما قال: « أَنْتُمُ الآنَ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّونَ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالْقَصْعَةِ، وَأَمَّا بَاطِنُكُمْ فَمَمْلُوءٌ اخْتِطَافاً وَخُبْثاً» (لوقا 11: 39).

(أ) ما هي نقاوة القلب؟

كلمة «أنقياء» التي استخدمها المسيح هنا كانت تصف الثوب المغسول، وقد صلى النبي داود: « اغْسِلْنِي كَثِيراً مِنْ إِثْمِي.. اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ.. قَلْباً نَقِيّاً اخْلُقْ فِيَّ يَا اللهُ وَرُوحاً مُسْتَقِيماً جَدِّدْ فِي دَاخِلِي» (مزمور 51: 2، 7، 10).

وكانت كلمة «أنقياء» تُطلق على القمح الخالي من القش، كما قال يوحنا المعمدان عن المسيح: « أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلَكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ» (متى 3: 11، 12).

كما كانت كلمة «أنقياء» تُطلق على اللبن غير المغشوش بالماء، كما قال المرنم: « عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَكَ أَسْلُكْ فِي حَقِّكَ. وَحِّدْ قَلْبِي لِخَوْفِ اسْمِكَ» (مزمور 86: 11).

وكانت كلمة «أنقياء» تصف الجيش العامر بالشجعان الذين لا جبان بينهم، كما قال الله للقاضي جدعون: «لَمْ يَزَلِ الشَّعْبُ كَثِيراً. انْزِلْ بِهِمْ إِلَى الْمَاءِ فَأُنَقِّيَهُمْ لَكَ هُنَاكَ. وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي أَقُولُ لَكَ عَنْهُ: هَذَا يَذْهَبُ مَعَكَ، فَهُوَ يَذْهَبُ مَعَكَ. وَكُلُّ مَنْ أَقُولُ لَكَ عَنْهُ: هَذَا لاَ يَذْهَبُ مَعَكَ، فَهُوَ لاَ يَذْهَبُ» (قضاة 7: 4).

والنقاوة درجات، فهي في نظر سيدة البيت نظافة المكان، أما في نظر الطبيب فهي التعقيم! وكلما ارتقينا في سلّم النقاوة ونمونا في النعمة اكتشفنا آفاقاً أكبر لنقاوة القلب، وهذا ما يتضح من اختبار النبي إشعياء الذي قال: « فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ. السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ. لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ. بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ. وَهَذَا نَادَى ذَاكَ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ. فَاهْتَزَّتْ أَسَاسَاتُ الْعَتَبِ مِنْ صَوْتِ الصَّارِخِ، وَامْتَلأَ الْبَيْتُ دُخَاناً. فَقُلْتُ: وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ» (إشعياء 6: 1-5).

(ب) مكافأة أنقياء القلب:

أنقياء القلب يعاينون الله، ويرونه الآن في شخص المسيح الذي قال: «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ» (يوحنا 14: 9). وقد رأى سمعان الشيخ الله في المسيح، لما حمله طفلاً وقال: «الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ» (لوقا 2: 29-31).

وأنقياء القلب يعاينون الله، بمعنى أنهم يختبرون حضوره الدائم معهم، فيرون مجده كما اختبره يعقوب أب الأسباط في الصحراء، عندما رأى سلماً منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء، وملائكة الله صاعدة ونازلة عليها، وسمع الرب يقول له: «أَنَا الرَّبُّ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ.. فَقَالَ: حَقّاً إِنَّ الرَّبَّ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ!.. مَا أَرْهَبَ هَذَا الْمَكَانَ! مَا هَذَا إِلا بَيْتُ اللهِ وَهَذَا بَابُ السَّمَاءِ!» (تكوين 28: 10-22).. كما اختبره داود النبي أوقات شدَّته فقال: «إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرّاً، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي» (مزمور 23: 4). ولا غرابة فقد قال الله: « تَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ» (إرميا 29: 13).

ويختبر نقي القلب حضور الله الدائم فيه، لأنه هيكل حي متحرك، فيقول الوحي: « أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ» (1كورنثوس 6: 19، 20).

وفي هذا قال المسيح: « اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
درجات الارتقاء الروحى(الفصل الاول)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفتور الروحى
» عظة عن المعنى الروحى للالحان الكنسية
» اليوم الروحى الناجح للشباب
» ماهو الموت الجسدى والموت الروحى؟
» خطة الشيطان - الجزء الاول

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى تماف ايرينى :: المنتدى الروحى :: قسم المواضيع الروحية-
انتقل الى: